تقنيّو الخصوصية: «عاداتنا الموسيقية كُشفت»
Thursday, 28-Aug-2025 07:39

الشهر الماضي، أطلق شخص مجهول الهوية، يطلق على نفسه اسم Tim، موقعاً إلكترونياً كشف فيه ما زعم أنّه العادات الموسيقية لمجموعة من الشخصيات العامة عبر منصة Spotify. شمل ذلك سياسيِّين، ومديرين تنفيذيِّين في قطاع التكنولوجيا، وصحافيِّين.

أطلق «تيم» على مشروعه عنواناً ساخراً: «قوائم باناما»، في تلميح إلى تسريبات «أوراق باناما» الشهيرة، لكنّه هذه المرّة لم يفضح حسابات مصرفية سرّية، بل قوائم موسيقية شخصية.

 

من قوائم الحفلات إلى تفضيلات العمل

 

أظهرت البيانات التي جمعها «تيم» أنّ مارك بينيوف، مؤسس شركة «سيلزفورس»، يحتفظ بقائمة حفلات تتضمّن أغنية بعنوان «ملياردير». أمّا جاكوب هيلبرغ، مؤسس منتدى «هيل أند فالي»، فتبيّن أنّه يستمع بكثرة إلى «شارلي إكس سي إكس» و»تشابل روان».

 

في المقابل، ارتبط اسم سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن أي آي»، بقائمة كشفت استخدامه تطبيق «شازام» للتعرّف على أغنية شهيرة لـ «ميسي إليوت»، على رغم من أنّ متحدّثة باسمه نفت لاحقاً أن تكون تلك القائمة تعود إليه.

 

لكن ما كان مفاجئاً أنّ «قوائم باناما» شملت أيضاً اثنَين من صحافيِّي «نيويورك تايمز» المتخصّصين في قضايا الخصوصية التقنية: مايك آيزاك وكشمير هيل.

 

كشف «تيم» أنّ مايك استمع إلى أغنية واحدة 139 مرّة خلال عام واحد، فيما عُرفت قائمة كشمير المخصّصة للكتابة وتتضمّن موسيقى تركّز على «موغواي» و»أبكس توين». وعلى رغم من تقبّلها فكرة مشاركة موسيقى التركيز مع الآخرين، إلّا أنّها شعرت بالانزعاج عندما اكتشفت أنّ قوائم تحمل أسماء ابنتَيها كانت متاحة علناً.

 

بين الطرافة والقلق

 

لم يكن الأمر مجرّد مادة للضحك. فعلى رغم من أنّ بعض القوائم أثارت السخرية، مثل ارتباط نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس بأغنية I Went at the Way لفرقة «باكستريت بويز»، فإنّ التجربة كانت مزعجة، لأنّها تكشف ما لم يقصد أصحاب الحسابات عرضه للعامة.

 

فالصور أو الأفلام التي نشاركها على «إنستغرام» أو «ليتر بوكسد» نختارها بعناية لتمثل ذَوقنا، بينما قوائم «سبوتيفاي» وُجدت أساساً للمتعة الشخصية لا للعرض، ما يجعل تسريبها أقرب إلى كشف سجل مشاهدات «نتفليكس».

 

تصميم الخصوصية على مقاس الشركات

 

تأتي هذه الثغرة من طبيعة «سبوتيفاي» نفسه. إذ تُنشأ القوائم بشكل عام افتراضياً، وعلى المستخدم تغيير الإعدادات يدوياً لكل قائمة إذا أراد إبقاءها خاصة. كما الصحافيّون المتخصّصون في الخصوصية فوجئوا بأنّ كل مَن يملك الرابط يمكنه متابعة قوائمهم، بل في حالة مايك، الاستماع في الوقت الحقيقي لما يسمعه بسبب ميزة «نشاط الاستماع».

 

«تيم»، الذي تبين لاحقاً أنّ اسمه الحقيقي رايلي والز، مهندس شاب يبلغ 23 عاماً، بنى سلسلة من «البوتات» التي «تسحب بيانات» تلقائياً من حسابات شخصيات عامة. أوضح أنّه لم يحتج إلّا إلى كتابة أسماء تلك الشخصيات في محرّك البحث داخل التطبيق، ليعثر على حساباتهم. كثير من المستخدمين لا يدركون أنّ أسماءهم الحقيقية أو حتى عناوين بريدهم الإلكتروني قد تكون مرتبطة علناً بحساباتهم على «سبوتيفاي».

 

شدّدت الشركة على أنّ ما فعله «تيم» هو خرقٌ صريح لإرشادات الاستخدام. وأكّدت أنّها تواصلت مع محاميه بعد إرسال إخطار «توقف وكَفّ». لكنّ «والز» اعتبر ذلك بلا أساس، وصرّح بأنّ هدفه إثارة النقاش حول حجم البيانات المتاحة للجمهور على الإنترنت من دون وعي أصحابها.

 

مشاريع استفزازية سابقة

 

لم تكن هذه أول مرّة يوظف فيها «والز» البيانات بطريقة صادمة. فقد ابتكر سابقاً مشروعاً باسم «لوكس مابنغ»، اعتمد على مراجعات «غوغل» العلنية لتصنيف المطاعم بناءً على «جاذبية» زبائنها. كما أطلق مشروعاً آخر بعنوان IMG_0001 استند إلى خاصية قديمة في هواتف «آيفون» سمحت بنشر فيديوهات خام مباشرة على «يوتيوب».

 

هدفه في معظم مشاريعه كان واحداً: إظهار أنّ الإنترنت مليء ببيانات شخصية مكشوفة يمكن لأي شخص استغلالها.

 

من Spotify إلى Venmo وSubstack

 

الجدل الذي أثارته «قوائم باناما» لا يقتصر على «سبوتيفاي». منصات عديدة تتبع سياسة جعل بعض الأنشطة علنية بشكل افتراضي. على سبيل المثال، لم يُدرك كثيرون أنّ سجل معاملاتهم المالية عبر «فينمو» كان عاماً إلى أن كشفت وسائل الإعلام ذلك.

 

كذلك، تظهر متابعات المستخدمين على «سابستاك» علناً، بما يكشف عن النشرات الإخبارية التي يقرؤونها أو يدفعون للاشتراك فيها.

 

ردود متفاوتة من «الضحايا»

 

بعض الشخصيات لم تنزعج كثيراً من إدراج أسمائها. فبراين أرمسترونغ، الرئيس التنفيذي لشركة «كوين بيس»، اعترف بأنّه يملك قائمة من 7 ساعات تضمّ أغنية واحدة فقط تساعده في التركيز. أمّا بالمر لوكي، مبتكر نظّارات «أوكولوس»، فأوضح أنّه أنشأ حسابه على «سبوتيفاي» منذ عقد لمشاركة الموسيقى مع أصدقائه، لكنّه اليوم يُفضّل العودة إلى أجهزة تشغيل تقليدية مثل الأشرطة الممغنطة وأسطوانات الـ CD.

 

جيل جديد لا يعرف الخصوصية

 

على رغم من الغضب الذي أثارته القضية، فإنّ أجيالاً شابة اعتادت فكرة الشفافية الرقمية الكاملة. بالنسبة إليهم، مشاركة الموقع الجغرافي عبر «سناب ماب» أو ميزة «فايند ماي» في أجهزة «آبل» أمر عادي، مثلما أصبحت إيصالات قراءة الرسائل جزءاً من التواصل اليومي.

 

ومع ذلك، فإنّ إطلاق «إنستغرام» ميزة خريطة لمشاركة المواقع أحدث ضجّة واسعة، ما أجبر الشركة على تبرير قرارها أمام المشرّعين والرأي العام.

الأكثر قراءة